انخفاض “نفقات المقاصة” يسائل إمكانيات استدامة تمويل الأوراش الاجتماعية

شارك هذه المقالة مع أصدقائك!

شكرا لمتابعتكم خبر انخفاض “نفقات المقاصة” يسائل إمكانيات استدامة تمويل الأوراش الاجتماعية

تستمر نفقات المقاصة في “التراجع”، مسجلة إحدى أكثر نسب الانخفاض في السنوات الأخيرة، وهو ما تأكد عبر معطيات الخزينة العامة للمملكة بأن “إصدارات النفقات برسم المقاصة” ناهزت 39,191 مليار درهم عند نهاية سنة 2023، ما يعني انخفاضا بنسبة 13,3 في المائة “مقارنة بالفترة ذاتها قبل سنة”.

النشرة الشهرية حول “إحصائيات المالية العمومية” إلى حدود متم دجنبر 2023، الصادرة عن خزينة المملكة، كشفت في بياناتها ارتفاع مصاريف المعدات بنسبة 14,6 في المائة (66,7 مليار درهم، مقابل 58,2 مليار درهم)، فيما سجلت النفقات المتعلقة بالتكاليف المشتركة، في المقابل، انخفاضا “طفيفًا” بنسبة 0,8 في المائة (59,2 مليار درهم، مقابل 59,7 مليار درهم)، ويرجع ذلك أساسا إلى انخفاض إصدارات المقاصة بنسبة 13,3 في المائة (39,2 مليار درهم، مقابل 45,2 مليار درهم).

وكانت الحكومة قد أعلنت ضمن برمجتها الميزانياتية للسنوات الثلاث المقبلة مواصلة سياسة “تقليص تدريجي لنفقات المقاصة” من أجل مزيد من “التحكم المالي” في هذه النوعية من النفقات التي طالما أثار ارتفاع مبالغها تساؤلات حول الأثر الاجتماعي المتوخى منها، فضلا عن إثقالها لكاهل ميزانية البلاد.

المعطى المتعلق بـ”انخفاض نفقات المقاصة بـ13 في المائة عند متم 2023″ واستمرار هذا الانخفاض خلال السنة الجارية، يسائل مدى إسهام ذلك في توفير هوامش مالية للدولة قد تتيح للفاعل العمومي استدامة تمويل الأوراش الاجتماعية الحالية، خاصة مع الشروع منذ نهاية دجنبر في صرف إعانات الدعم الاجتماعي المباشر.

“أولوية حكومية”

محمد جدري، باحث في قضايا المالية والاقتصاد، قال إن “التحكم في مخصصات صندوق المقاصة يبقى أولوية بالنسبة للحكومة، لأنه لا يمكن أن يستمر إمداد صندوق المقاصة بمليارات من الدراهم من الميزانية العامة المبرمجة في كل قانون مالي في ظل ما يتطلب ورش الحماية الاجتماعية كل سنة من تمويل يقدر بـ 51 مليار درهم”.

وأضاف جدري، في إفادات تحليلية لهسبريس، أن “المتابع لدينامية وأرقام تكاليف المقاصة ونفقاتها سيخلص إلى أنه أمر عادي وطبيعي ومنطقي أن تنخفض مخصصات وإصدار نفقات برسم صندوق المقاصة سنة بعد سنة”، قبل أن يتوقع “ألّا تتجاوز برسم 2024 ما قدره 13 مليار درهم، على أساس تخفيضها بشكل مستمر في السنوات المقبلة لتصل إلى بضعة مليارات درهم من أجل أداء فارق غاز البوتان”.

ولفت جدري إلى أن “هامش هذا التراجع سيضمن ديمومة واستدامة ورش الحماية الاجتماعية الذي من المنتظر عند استكماله أن يمكن المغاربة من التوفر والاستفادة من تأمين صحي إجباري عن المرض، وتعويضات عائلية، ومعاش للشيخوخة، وتعويض عن فقدان الشغل”.

“مفهوم النفقات الاجتماعية”

في المقابل، يرى محمد الرهج، خبير مالي محلل اقتصادي، أن الدولة “بإمكانها فعلا توفير هوامش مالية من أجل استدامة تمويل مشاريعها الاجتماعية التي أطلقتها معتمدة طابعا اجتماعيا”، واضعاً تقليص نفقات المقاصة “ضمن سياق البرمجة الميزانياتية لثلاث سنوات القادمة 2024–2026”.

وقال الرهج، في حديث مع جريدة هسبريس بهذا الخصوص، إن “الحكومة تراهن على هذا التقليص بوضوح ولم تُخفِ نيّتها تقليص إصدار نفقات المقاصة التي تدعم المواد الأساسية المستهلكة ما أمكنها ذلك”، قبل أن يستدرك بأن “الرهان على هذا التقليص وحده لتمويل أوراش الدعم الاجتماعي وما يرافقها، يظل محط تساؤل كبير”.

وبعدما ذكّر المحلل الاقتصادي ذاته بأن الحكومة تسعى إلى “تقليص فعلي لنفقات المقاصة بأكثر من النصف، في أفق حصرها لاحقا في 8 مليارات درهم”، شدد على أن “تمويل أوراش الدولة الاجتماعية لا يجب أن يكون مراهناً على دعم إحساني متمثل في إعانات شهرية فقط”، داعيا إلى “العمل على بناء اقتصاد منتج وقوي ويخلق مناصب شغل، ما يعني إنتاج الثروة، ومن ثمة حسن إعادة توزيعها”.

وربط الرهج بين “الحصول على الحماية الاجتماعية بمختلف أبعادها المأمولة” و”ديناميات التشغيل” التي قال إنها “تنحو نحو إنتاج مزيد من العاطلين عن العمل، أو الذين يشتغلون بشكل ناقص”، قبل أن يختم تصريحه بضرورة بذل جهد مُواز أكثر نحو “محاربة اقتصاد الريع” و”التهرب والغش الجبائي”، لأن سياسة الإعفاءات لم تعط أي عائد كبير يُذكر، ما يفوت على ميزانية البلاد هوامش مالية بين 35 و70 مليار درهم سنويا.

‫0 تعليق